بسم الله الرحمن الرحيم
من منن الله الكبرى ، وحكمه البالغة أن انتشر الإسلام في كل أنحاء المعمور ؛ وأصبحت الصحوة الإسلامية ظاهرة طبيعية وواقعا ملموسا واضح الدلالة. لقد بشرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة صريحة ، بأن الخلافة على منهاج النبوة آتية ، وأن هذا الدين الحنيف سيبلغ ما بلغ الليل والنهار ، وأن الله عز وجل سيدخله كل بيت مدر ووبر بعز عزيز أو بذل ذليل.
لقد أصبح تواجد المسلمين بالغرب ، وبأروبا خاصة ، واقعا لا يمكن جحوده أو تجاهله. وما ظهور المسلمين على الساحة إلا وعيهم بضرورة المشاركة الإيجابية في ميادين الفكر المتفاعل ، وعدم الإنكفاء الفكري والإنزواء في القبب بعيدا عن هموم المجتمع وتفاعلاته ؛ وعدم قبول عملية التهميش التي يريد أعداء الإسلام والكائدون له أن يخوض المسلمون في غلسها.
منذ عشرات السنين وموضوع اندماج المسلمين ، لكي لا نقول الذوبان ، يملأ الساحة الفكرية والسياسية. لكن على مسلمي الغرب أن يخرجوا من هذا الغموض ، ويسمعوا صوتهم ، ويفصحوا عن مساهمتهم في ما فيه خير الصالح العام ، ويسعون جادين لتحقيق التعايش السليم ونبذ نظرية الصراع الحضاري المظلمة. فالمسلم المقيم بالغرب ، لا يعيش في مجتمعه الغربي بعقلية المهاجر أو عابر السبيل ، بل بعقلية المواطن الذي له حقوق وعليه واجبات ، والذي له حضور مسؤول وفعال في محيطه.
لا بد من الجهد والصبر والمصابرة لكي يسمع المسلمون كلمتهم إلى غرب مشحون ضد الإسلام وأبناءه. ينعتون بتهم الإرهاب والتعصب والظلامية ويدانون مسبقا دون أية محاكمة. لا بد من المثابرة والعمل المتواصل الرفيق لإزالة الغشاوة التي تضعها على الأعين وتروج لها حملات التحقير العدائي للإسلام. هذه الحملات الشرسة من شأنها أن تؤدي بالمسلمين إلى الإنزواء والعيش على هامش المجتمع أو أن تؤدي بهم إلى التطرف والغلو القائد إلى العداء المفكك.
ما ينبغي للمسلمين بالغرب أن ينزووا وينكمشوا في مساجدهم ، ويتركوا الميدان فارغا ليس فيه من يذكر الناس بالله وبلقاء الله ؛ ويثيروا لدى الإنسان الغربي أسئلة جوهرية عن سر وجوده ، و معنى حياته ، من أنا ؟ ما المصير ؟ وإلى أين ؟ ....
إن المتأمل والمتفحص في واقع المسلمين بالغرب ، يؤلمه ويضيق صدره من وجود بعض العبارات المتداولة في صفوف الشباب المسلم و التي لا تتناسب مع زماننا ـ قد كانت لها مبرراتها التاريخية في زمن معين ـ ، كعبارة دار الحرب ودار الإسلام. هذا التصور الثنائي يُضيق الأفق أمام عملنا الإسلامي بالغرب بحيث تلتبس السبل ، ويضمحل الفكر وبالتالي لا نستطيع بناء.
من أجل ذلك ، يجب أن نعتمد مصطلح الشهادة حجة واستشهادا: " لتكونوا شهداء على الناس " . فالمؤمن مسؤول وحامل لواء ، قد تولى أمانة الدلالة على الله. وحامل لمشروع جليل يهدف إلى تغيير الإنسان ، فهو منصبغ بمقاصده ومراميه ، متشرب لمنطلقه ومراحله ، ثابت على مبادئه ، لا يتزعزع عن خط سيره مهما كانت العقبات. إقباله على الله عز وجل يدفعه إلى المزيد من العمل الإيجابي ، بحيث يجعل حركته مثمرة وحياته دافقة ؛ يشيع في المجتمع بنور إيمانه وطيب أخلاقه وحسن معاملته. ويدعو إلى الله على بصيرة ، برفق يرفض العنف ، ورحمة تنافي القسوة ، ولين يأبى الفضاضة. هذه الشهادة بالقسط كفيلة بأن تنفي عن شريعتنا السمحة تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين.
إذا كان الشعور بالمسؤولية ، والوعي بالتحديات التي تنتظر مسلمي الغرب ، أصبح هما انتدبت له بعض الهمم العالية و القلوب المخلصة. فإن الكثير من المسلمين ليس لهم وعي بجدارة المهمة ، وليست لهم لوعة على الإسلام ولا عزم لهم على المبادرة والعطاء. بل يتخذون الموقف السلبي الانسحابي وينتقدون العاملين ؛ ونحن في وقتنا الحالي ، محتاجون إلى كثير من العمل الجاد وإلى قليل من الكلام.